جمود وقف النار في غزة- مناورات نتنياهو وتحديات حماس ودور واشنطن.

المؤلف: أحمد الحيلة09.13.2025
جمود وقف النار في غزة- مناورات نتنياهو وتحديات حماس ودور واشنطن.

على الرغم من استمرار الاتصالات السياسية، إلا أن تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس والكيان الإسرائيلي قد واجه تعثراً ملحوظاً في الأسابيع الأخيرة، ويعزى ذلك بشكل أساسي إلى مراوغة بنيامين نتنياهو وعدم التزامه ببنود الاتفاق. إن رفض نتنياهو الشروع في المرحلة الثانية من الاتفاق، مع إصراره المستمر على تمديد المرحلة الأولى وإطلاق سراح الأسرى كشرط أساسي لعودة تدفق المساعدات والإمدادات الطبية إلى قطاع غزة، يثير قلقاً بالغاً.

يكمن الخطر الحقيقي في فكرة التمديد التي يتبناها نتنياهو في أنها لا تلزمه بالوفاء بالالتزامات الأساسية للاتفاق الأصلي، وفي مقدمتها التعهد بإنهاء العدوان والانسحاب الكامل من قطاع غزة تمهيداً لبدء عملية إعادة الإعمار. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الفكرة تخلق مساراً جديداً يقوم على مبدأ "المساعدات مقابل الأسرى على مراحل"، وهو ما يهدف إلى تقويض قوة المقاومة الفلسطينية وسحب ورقة الضغط الواقعية التي تمتلكها.

نتنياهو ومحاولة الهروب

يفضل نتنياهو التملص من الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعه تحت ضغط من المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، وذلك لعدة أسباب جوهرية:

أولاً: إن التزام نتنياهو بإنهاء الحرب على غزة والانسحاب الكامل، وفقاً لبنود الاتفاق، قد يؤدي إلى انهيار حكومته الائتلافية، وبالتالي الذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة، والتي تشير استطلاعات الرأي إلى أنه سيخسرها، مما يعني تحوله إلى أقلية في الكنيست وخروجه من رئاسة الوزراء، وهو ما يمثل نهاية لمسيرته السياسية المثيرة للجدل.

ثانياً: من المتوقع أن يواجه نتنياهو لجنة تحقيق رسمية قد تحمله المسؤولية التاريخية عن الإخفاقات التي وقعت في السابع من أكتوبر (طوفان الأقصى)، وعن فشله في تحقيق أهداف الحرب الشرسة على غزة، والتي كان لها تداعيات إستراتيجية على إسرائيل على الصعيدين الداخلي والخارجي.

ثالثاً: يعتبر اليمين المتطرف في إسرائيل الاتفاق بمثابة هزيمة تاريخية لإسرائيل، التي أخفقت في حربها على غزة وفقدت صورتها كقوة ردع مهابة في الشرق الأوسط، بعد أن فقد جيشها هيبة "الجيش الذي لا يقهر". يأتي ذلك في وقت تنظر فيه محكمة العدل الدولية في اتهامات بارتكاب إسرائيل إبادة جماعية، بينما يواجه رئيس وزرائها نتنياهو مذكرة اعتقال صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

إن هذه الأسباب التي يتبناها اليمين الإسرائيلي المتطرف لا تتطابق بالضرورة مع وجهة نظر الإدارة الأمريكية، التي تسعى جاهدة لتحقيق الأهداف التالية:

  • إنهاء الحرب على قطاع غزة، لأن استمرارها قد يلقي بظلال سلبية على زيارة الرئيس ترامب المرتقبة إلى السعودية، في الوقت الذي يسعى فيه لعقد شراكات اقتصادية وتحقيق "السلام" من خلال التطبيع مع إسرائيل.
  • إطلاق سراح الأسرى، وخاصةً حاملي الجنسية الأمريكية، كإنجاز تاريخي تسعى إدارة الرئيس ترامب إلى توظيفه لصالحها في شهورها الأولى.

وهذا يفسر السبب وراء قيام المبعوث الأمريكي لشؤون الأسرى آدم بولر بالتواصل المباشر مع حركة حماس، ورده على قلق إسرائيل واتصال وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بقوله "إننا لسنا عملاء لإسرائيل، وأمريكا لديها مصالح محددة تجعلها تتواصل مع حركة حماس".

إن هذا التباين في المواقف بين واشنطن ونتنياهو لم يصل بعد إلى النقطة الحاسمة التي تدفع فيها الإدارة الأمريكية نتنياهو للمضي قدماً في استحقاقات وقف إطلاق النار، وخاصةً المرحلة الثانية من الاتفاق. في المقابل، يقوم نتنياهو بحشد حلفاء إسرائيل في واشنطن للضغط على إدارة ترامب لوقف تواصلها المباشر مع حركة حماس، والانحياز إلى شروطه، خوفاً من توصل الإدارة الأمريكية إلى اتفاق مع حماس، واضطراره للموافقة عليه رغماً عنه، لأنه لن يستطيع رفض طلب للرئيس ترامب.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التواصل الأمريكي المباشر مع حماس يحرم نتنياهو من احتكار المعلومات التي تصل إلى واشنطن من إسرائيل فقط، والتي تهدف إلى تشويه صورة حماس والفلسطينيين ووصفهم بالإرهابيين والحيوانات البشرية.

حماس والواقع الصعب

تواجه حركة حماس وضعاً إنسانياً صعباً ومعقداً في قطاع غزة، وهي تسعى بدأب لإحداث اختراق في الحصار المفروض على القطاع، بهدف توفير متطلبات الحياة الكريمة للشعب الفلسطيني مع الحفاظ على حقوقه الوطنية.

يلاحظ أن إستراتيجية حماس التفاوضية تستند إلى عدة محددات أساسية:

  • أولاً: الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار الموقع، والذي تم التوصل إليه بفضل تضحيات الشعب الفلسطيني، حيث حقق الاتفاق لقطاع غزة مكاسب كبيرة، مثل عودة النازحين وإمكانية تحقيق وقف إطلاق نار مستدام وانسحاب كامل لجيش الاحتلال وإعادة الإعمار وإدخال المساعدات.
  • ثانياً: التعامل بإيجابية مع أي مناورات تفاوضية أو مقترحات من الوسطاء، شريطة أن تكون جزءاً من الاتفاق أو تؤدي إلى تحقيق الالتزامات الأساسية للاتفاق، والتي تقضي بانسحاب جيش الاحتلال ووقف العدوان وإعادة الإعمار، بمعنى أن الحركة تهتم بالجوهر وليس الشكل.

في هذا السياق، يتم تداول بعض الأفكار أو المقترحات، مثل إطلاق سراح عدد محدود من الأسرى، قد يكون من بينهم حاملو الجنسية الأمريكية، قبل الشروع في المرحلة الثانية وتفعيلها بالضرورة، أو إطلاق سراح جميع الأسرى دفعة واحدة مع الالتزام الكامل ببنود الاتفاق الموقع.

لكن نتنياهو يتهرب ويسعى لتجاوز نهاية شهر مارس/ آذار الجاري دون اتفاق يلزمه بوقف الحرب، حفاظاً على ائتلافه الحكومي المتطرف، ولتمرير قانون الموازنة في نهاية الشهر، لأن عدم المصادقة على الموازنة قد يؤدي إلى سقوط الحكومة دستورياً، وبالتالي الذهاب إلى انتخابات مبكرة، وهو ما يمثل تحدياً لنتنياهو وشريكه وزير المالية سموتريتش، الذي قد يفشل في العودة إلى الكنيست مجدداً.

هل تحسمها واشنطن؟

بات واضحاً للجميع أن حسابات نتنياهو هي حسابات شخصية تتعلق بمستقبله السياسي وبمستقبل ائتلافه الحكومي المتطرف، وهي حسابات لا ترقى إلى مستوى الإجماع ولا تحظى بتأييد غالبية الرأي العام الإسرائيلي، الذي يطالب بإطلاق سراح الأسرى دفعة واحدة ووقف الحرب، حتى لو بقيت حماس جزءاً من المشهد السياسي في غزة.

تشير مجريات التفاوض إلى أن الوسيطين القطري والمصري حريصان على تنفيذ الاتفاق الموقع، ولكن الإدارة الأمريكية، على الرغم من أنها ضغطت على نتنياهو لتوقيع الاتفاق، إلا أنها تنحاز لإسرائيل وتحاول مساعدة نتنياهو في مناوراته السياسية التفاوضية، لعلها تستطيع من خلال التلويح بـ "الجحيم" لغزة والتغاضي عن جريمة وقف المساعدات والبروتوكول الإنساني كحق من حقوق المرحلة الأولى، أن تنتزع من حركة حماس تنازلات تتناسب مع شروط نتنياهو التعجيزية.

المعركة التفاوضية مستمرة وتحمل في طياتها فرضيات متعددة، إلا أنها بعيدة عن استئناف الحرب والعدوان المفتوح على قطاع غزة لرفض الرأي العام الإسرائيلي للحرب، والذي يتعارض أيضاً مع رؤية الرئيس ترامب المعلنة حتى اللحظة.

ونظراً لاستبعاد فرضية الحرب، فقد لجأ الاحتلال الإسرائيلي إلى استخدام منع دخول المساعدات والإغاثة كأداة حربية ضد المدنيين في غزة لتحقيق أهداف سياسية، وهو ما يعتبر عقاباً جماعياً وجريمة ضد الإنسانية.

وإذا كان الفلسطينيون يواجهون أزمة وكارثة إنسانية قاهرة، فإن نتنياهو ليس في أفضل حالاته لفرض شروطه، خاصةً بعد فشله في المقاربة العسكرية وتراجع ثقة الجمهور الإسرائيلي به والصراع الدائر بينه وبين قيادات الأجهزة الأمنية، والذي كان آخره الاشتباك الإعلامي بينه وبين رئيس الشاباك رونين بار، والذي من بين خلفياته ملف الأسرى المتهم نتنياهو بتعطيله لحسابات شخصية.

تعتقد الأجهزة الأمنية أن الفرصة سانحة الآن لإطلاق سراح الأسرى، بعد أن أضاع نتنياهو العديد من الفرص سابقاً، فيما يرى نتنياهو أن استمرار التصعيد ورفع شعار الحرب هو الأولوية بالنسبة له، وذلك تهرباً من المحاسبة الداخلية على إخفاقه في تحقيق أهداف الحرب، مما يجعل ملف الأسرى حلقة صراع إسرائيلية داخلية أيضاً.

يبقى العامل الحاسم في المشهد التفاوضي هو العامل الأمريكي، فهو الأقدر على كسر الحلقة المفرغة التي صنعها بنيامين نتنياهو، فهل تفعلها إدارة الرئيس ترامب أم أن نتنياهو سينجح في جر الإدارة الأمريكية الجديدة إلى متاهاته السياسية تهرباً من الاتفاق واستحقاقاته؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة